عزم الرسول صلى الله علية و سلم على قتال الروم ونصارى العرب في شمال الجزيرة العربية، لأنهم أقرب الأعداء إلى المسلمين وأولى الناس بالدعوة إلى الحق استجابة لقول اللّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن اللّه مع المتقين} (2).
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس عن وجهته على غير عادته في الغزوات السابقة، وذلك لطول المسافة وقوة العدو، حتى يتهيأ الناس ويستعدوا للنفير.
تجهـيز الجيـش:
حث الرسول صلى الله عليه وسلم الناس على النفقة وتجهيز الجيش الذي بلغ عدده ثلاثين ألفاً وقال: "من جهز جيش العسرة فله الجنة" (3) وتسابق الناس في تجهيز الجيش، وتقديم الأموال، وكان أكثر المنفقين عثمان بن عفان- رضي اللّه عنه- حتى قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" (4)، وقد سميت غزوة تبوك بالعسرة، لما أصاب المسلمين فيها من ضيق وشدةٍ من طول السفر، وقلة النفقة، وشدة الحر والقحط، وقوة العدو.
موقف المنافقين في هذه الغزوة:
ذهب بعض المنافقين إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه بأعذار كاذبة حتى يسمح لهم بالبقاء في المدينة، وقام بعضهم بتثبيط الناس عن الخروج، يقولون:
"لا تنفروا في الحر". وأخذ بعضهم يلمز ويسخر من المتصدقين والمنفقين على الجيش، ولقد كشفهم اللّه تعالى في آيات عديدة في سورة التوبة منها:
1- قال اللّه تعـالى: {ومنهم من يقول اْئذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} (5).
2- وقال اللّه تعالى: {وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون}(6).
الغزوات في شمال المدينة
خريطة رقم (9)
منقولة من كتاب غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم "لواء/ جمال الدين محفوظ"
خروج الجيش إلى تبـوك:
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- بالبقاء في المدينة على أهله، وتوجـه الجيش بقيادتـه صلى الله عليه وسلم إلى الشام عبر الصحراء والأودية يتحملون المصاعب الثقيلة طمعاً فيما عند اللّه من الأجر والثواب، وعندما وصل المسلمون تبوك لم يجدوا مقاومة من الروم ونصارى العرب، حيث تراجع الروم إلى الخلف، ثم أقام المسلمون في تبوك عشرين ليلة أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم خلالها سرية إلى دومة الجندل بقيادة خالد بن الوليد- رضي اللّه عنه- كان النصر حليفها، وغنم خالد غنائم كثيرة وأسر ملكها "أكيدر بن عبد الملك" الذي صالح الرسول صلى الله عليه وسلم على دفع الجزية، ثم صالحه ملك "آيله" (7) وغيره على دفع الجزية.
العـودة إلى المدينـة:
عاد المسلمون إلى المدينة بعد أن أصبح للإسلام والمسلمين هيبة ومكانة في شمال الجزيرة العربية، وفي الطريق مر المسلمون بالحجر ديار ثمود وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسراع ونهاهم عن دخولها وحينما اقترب الجيش من المدينة خرج الناس ومعهم الصبيان في استقباله، وقصد الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد النبوي وصلى فيه ركعتين، ثم جلس للناس وأقبل المخلفون يعتذرون إليه.
المتخلفون عن الغزوة:
المتخلفون كانوا ثلاثة أصناف:
الأول: هم الضعفاء والفقراء ممن أقعدهم المرض أو النفقة عن الخروج إلى تبوك وهؤلاء معذورون.
أما الثاني: فهم المنافقون الذين تخلفوا بدون عذر صادق وقد قبل منهم الرسول صلى الله عليه وسلم علانيتهم ووكل سرائرهم إلى اللّه.
أما الثالث: فهم مؤمنون صادقون تخلفوا بدون عذر واعترفوا بذلك وهم: (كعب بن مالك- وهلال بن أمية- ومرارة بن الربيع)- رضي اللّه عنهم- وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بمقاطعتهم، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وبعد خمسين يوماً تاب اللّه عليهم ونزل فيهم قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من اللّه إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن اللّه هو التواب الرحيم} (8).
يتبع :flower:
princess
عدد الرسائل : 510 sms :
تاريخ التسجيل : 28/05/2008
موضوع: تابع السبت يونيو 14, 2008 3:05 pm
مسجد الضـرار (9)
سـبب بناء المسجـد:
بنى المنافقون بالمدينة مسجداً ليجتمعوا فيه ويتآمروا على الإِسلام والإِضرار بالمسلمين وتفريق كلمتهم، وقد زعموا أنهم بنوه توسعة للمسلمين ولابن السبيل والضعفاء والعاجزين، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه، ليخدعوا الناس بهذا العمل.
مصير المسجـد:
بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من تبوك همَّ أن يصلي في هذا المسجد، ولكن اللّه تعالى نهاه عنِ ذلك وكشف نوايا ومكر المنافقين وقال: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراَ وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسولهَ من قبل وَلَيَحلِفُنَّ إن أردنا إلا الحسنى واللّه يشهدُ إنهم لكاذبون. لا تقم فيه أبداً لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يوم أحقُّ أن تقومَ فيه فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا واللّه يحبُّ المُطَّهِّرِين} (10).
وبهذا كشف الله زيف وكذب المنافقين، ثم قام المسلمون بهدم وإحراق هذا المسجد.